عندما يقتل الإقناع
يدعون رجلًا من عوام الناس لحضور حفل خيري لجمع أموال للفقراء، وعندما يحضر الرجل، ينقلب كل شىء رأسًا على عقب، ويتورط هذا الرجل في العديد من الأفعال الغير قانونية والتي لن ينجوا من عاقبتها إلا بقتل الشاهد الرئيسي على تلك الأفعال بإلقائه من أعلى سطح المبنى. هذا ما دبره ديرين برون مقدم البرامج الإنجليزي في برنامجه الجديد المتخصص في الإقناع التأثير على الناس ودفعهم لأفعال لم تجل بخاطرهم أن يفعلوها يومًا. كان تحدي برون في هذه الحلقة التي تم الإعداد لها لشهور عدة هو أنه بإمكانه تدبير سيناريو مدبر يقع فيه الضحية لأن يرتكب أشنع الأفعال في خلال مدة زمنية قصيرة نتيجة لعمليات تأثير وإقناع متواصلة ومكثفة.
خدعة الإقناع
بدأ الأمر بدعوة كريس الشاب ذو ال 29 عامًا للمشاركة في الحفل الخيري. يتولى مصاحبة كريس المساعد الخاص لمالك المؤسسة الخيرية المُنظمة للحفل والذي يعمل على خداع كريس طوال الوقت.
بيرني، مالك المؤسسة يُقابل كريس في قاعة الحفل التي ستمتلىء بالحضور خلال ساعة من الآن، ويبدأ في التدريب على إلقاء كلمته أمام كريس ومساعده الخاص، ولكن فجأة يسقط بيرني مغشيًا عليه، وبعد أن يتفحصه مساعده، يخبر كريس بوجه متجهم أن بيرني قد فارق الحياة نتيجة أزمة قلبية حادة. وبعد لحظات من الصدمة، يطلب المساعد من كريس مساعدته في إخفاء جسد بيرني وعدم إخبار الناس بما حدث، وإلا سيتم إلغاء الحفل، ولن يستطيعوا جمع الأوموال للمحتاجين الفقراء. وبعد محاولات حثيثة من المساعد، يوافق كريس، ويضعوا جسد بيرني في تابوت موضوع في غرفة جانبية.
يتوافد الحضور لقاعة الحفل الرئيسية. ويُقنع المساعد كريس بأن يتقمص دور بيرني ويُلقي هو كلمته أما الحشود حتى لا يفسد الحفل، ولا داعي للقلق فلا أحد من الحضور قد قابل أو رأى بيرني من قبل. وأخيرًا، يوافق كريس ويُلقي هو الكلمة.
الورطة
تتصاعد وتيرة الأحداث، ويتورط كريس أكثر وأكثر في أفعال قد تُلقي به وراء القضبان لسنين عدة. ويكاد الحضور أن يكتشفوا جسد بيرني المخبأ بداخل التابوت، ولكن يعمل كريس والمساعد على إخراج الجثة وإخفائها على الدرج الخلفي للمبني. ولكن أخيرًا يستفيق بيرني، وبطريقة ما يستطيع أن يسجل صوتًا وصورة كل ما حدث عندما غاب عن الوعي.
على سطح المبنى يدور المشهد الأخير حيث يقف بيرني، ومساعده، وكريس، وأربع أشخاص هم من أعضاء مجلس إدارة المؤسسة. يبدأ بيرني في الصراخ في الجميع وسبهم وتهديدهم بإبلاغ الشرطة وإلقائهم في السجن جميعًا. ثم يوليهم ظهره ويجلس بيرني على حافة المبنى، ويبدأ الجميع في تحفيز كريس على دفع بيرني من على الحافة وإلا فإنها ستكون نهايتهم ونهاية مستقبل كريس حيث أنه الأكثر تورطًا في هذا الأمر.
يزداد الضغط على كريس بشدة بينما يستعد لقرار هو الأخطر في حياته كلها، وفجأة…. يقرر كريس ألا يرتكب جريمة أخرى، ويرحل ويغادر المشهد بأكمله، ولكن… ثلاثة أشخاص آخرين تعرضوا لنفس الخدعة وكان قرارهم أن يدفعوا بيرني من أعلى الحافة قاصدين قتله.
يمكنك أيضا قراءة مقالة
أساليب الإقناع والتأثير
بالرغم من أن ديرين برون قد وظف عدة أساليب للتأثير على عقل كريس والثلاثة الآخرين لدفع بيرني، منها مثلا استخدام أسلوب الاستباق – Priming، بجعل اسم المؤسسة أدفع – Push، والذي تكرر كثيرًا على مسامع كريس على مدار الخدعة. أيضًا تم استخدام أسلوب التأثير الجمعي – Social Compliance، الإرباك – Disruption، الندرة – Scarcity. ولكن على رأس تلك الأساليب يظل الأسلوب الأكثر قوة وتأثيرًا والذي تم استخدامه بكثافة هو ما يسمى بالالتزام التدريجي – Escalating Commitment.
حيث يبدأ الأمر عندما يطلب المساعد من كريس طلبات بسيطة للغاية أولها أن يساعده في تزيين بعض الحلوى قبل بدء الحفل، وبمجرد أن وافق ، فإن عقل كريس قد وضع المساعد لا إراديًا في وضعية السلطة، ووضع نفسه في وضعية الطاعة لأوامر أكثر من المساعد. فمن طبيعة المخ البشري أنه لا يستطيع أن يضع إطارًا – Boundaries، محددًا لتلك القناعة المكتسبة حديثًا، فالأمر يعمل كالأرقام الثنائية 0 و 1، on وoff. فالسلطة المفروضة والطاعة المقدمة مطلقتان لا حدود لهما بشرط تنميتهما تدريجيًا. وهذا من أقوى التأثيرات السيكولوجية التي إن تم حبكها جيدًا، فلا حدود لتاثيرها الإيجابي أو السلبي.
الإقناع التدريجي
ولهذا استطاع المساعد رفع طلباته تدريجيًا لأقصى حد ممكن، مثال أن يطلب من كريس حمل الجثة معه ونقلها بداخل التابوت، وأن يوافق على خداع جمع من الناس والإدعاء بأنه هو نفسه بيرني وإلقاء الخطاب بديلًا عنه، وفعل العديد من الأشياء الأخرى لإخفاء أمرهما، حتى أخيرًا الموافقة على دفع بيرني من على حافة المبنى.
الخبر الجيد هو أن الأمر بأكمله كان خدعه، وبيرني لم يرتطم بالأرض ولم يمت، ولم يلحق الأذى بأي أحد. ولكن الخبر السىء هو عن خدعة أخرى قد أدت إلى إلحاق الأذى بالعديد من الناس حول العالم، هؤلاء الناس قد أنهوا حياتهم بأيديهم استجابة للطلبات المتصاعدة من مديري الخدعة أو اللعبة التي اختاروا بإرادة حرة أن يشاركوا فيها. تلك اللعبة المسماة الحوت الأزرق – Blue Whale. هذه اللعبة الشيطانية التي ابتكرها شاب روسي أدت بعشرات الشباب حول العالم لشنق أنفسهم تنفيذًًا للطلب الأخير بعد الاستجابة لعشرات الطلبات أخرى.
الالتزام التدريجي – أقوى أساليب الإقناع
تحوي اللعبة عدة أساليب سيكولوجية للتأثير على لاعبيها، ولكن على رأس تلك الأساليب، الالتزام التدريجي، والذي يستمر لمدة 30 يومًا متواصلة، يلتزم فيها اللاعب بعدة طلبات، منها مثلًا الاستيقاظ مبكرًا في الرابعة صباحًا، وفعل أشياء يراها اللاعب بسيطة ذات تحدي ممتع، ثم تنتهي بطلب مباشر بأن يقتل اللاعب نفسه، وللأسف فقد استجاب الكثيرون.
يمكنك أيضا قراءة مقالة
الالتزام التدريجي: قانون الخطوات العشر
ربما يكون الالتزام التدريجي واحدًا من أقوى أساليب الإقناع والتأثير التي استخدمت على مر التاريخ. فالناس الذين يستجيبون لطلبات صغيرة من شخص شرير، أخيرًا يرتكبون أفعال شنيعة لم يدر بخلدهم ارتكاب مثيلاتها يومًا. النجاح في مقاومة الطلب الأول يعمل كحاجز منيع ضد الاستدراج لأفعال أخرى أكثر خطورة. ولهذا فيجب علينا تعليم أطفالنا وأنفسنا أيضًا كيفية قول “لا” لأي طلب مهما كان صغره وبساطته إن صدر من أناس مشبوهين أو مشكوكي النوايا، وإلا فيومًا ما، فإن هذا الشاب اللطيف، المثقف، حسن الخلق قد يجد نفسه… يدفع شخصًا ما من حافة المبنى.
—————————–
دبلومة التسويق السيكولوجي، هو الأولى والوحيدة باللغة العربية، واللي حتعرفك على الأسرار السيكولوجية اللي بتخلي التسويق والبيع يوصلو لأفضل نتيجة ممكنة. واللي بعد ماتخلصها حتكون اتعلمت إزاي تطبق الأساليب السيكولوجية في إطار عملك وإزاي تقيس نتائجها الإيجابية.