ما بين نظرية الحاج الأسيوطي وعلم سلوك المستهلك
“أنا مبدأي في التجارة يابني هو اكسب قليل تبيع كتير تكسب أكتر…”ودي واحدة من اهم طرق التسعير ال بتبعها
من حوار فريد شوقي الشهير بالحاج الأسيوطي بتاع الخشب مع جوز بنته سمير غانم
فيلم: يارب ولد
طبقا لقصة الفيلم، فالحاج الأسيوطي هو من أكبر مستوردين الخشب في الأسكندرية، أي جودة عالية، منتج متميز، سمعة وثقة كبيرة لدى الزبائن. وعلى الرغم من ذلك فالحاج الأسيوطي يعلم أن السعر هو العقبة الأساسية والكبرى في طريق تسويقه لمنتجه ولهذا فقد اتخذ الاستراتيجية الأبسط والأقدم للتأثير النفسي على زبائنه، وهو أن يبيع بسعر قليل فيزيد الطلب على منتجه وبالتالي يكسب أكتر.
ولكن أيضا فقد قال العلم كلمته بخصوص التسعير وخصوصا التسعير النفسي كواحد من اهم طرق التسعير ، بمئات الأبحاث المعملية والدراسات الميدانية التي كان جل هدفها هو دراسة تأثير الأسعار على نفسية المستهلكين.
الذي يعمل في التسويق أو المبيعات يعلم أن السعر هو العقبة الأخيرة والكبيرة في إقناع العميل بأن يختار منتجه ويشتريه، وأن في أحيان كثيرة تنجح عملية التسويق في جميع مراحلها، وعملية البيع أيضًا، ولكن يتوقف النجاح عند مرحلة السعر وكيفية استخدام اهم طرق التسعير .
وغالبا ما يعجز المسوق ومدير المبيعات في التغلب على تلك العقبة بسهولة، وهذا أمر متكرر في كل أنحاء العالم، ولهذا ازدهر مجال التسعير السيكولوجي كي يقدم للمسوق ورجل المبيعات أفكار وأساليب حديثة تم تجربتها وقياس نتائجها لعرض السعر بأشكال ذكية كي تتناسب مع سياقات المنتجات والخدمات المختلفة، وبالتالي تحقق أكبر تأثير نفسي في المستهلك، أي مبيعات أكثر.
سنستعرض في هذه المقالة ثلاثة أساليب للتسعير النفسي من ضمن عشرات الأساليب التي أثبتت نجاحها في زيادة مبيعات المنتجات:
اقرأ مقالة التسعير النفسي (إشعال العروض المفاجئة)
1.ايهما اهم طرق التسعير 1000 جنيه أم 999 جنيه؟!
يظن الكثيرون أن التسعير السيكولوجي ما هو إلا تغيير قيمة السعر مثلا من 500 إلى 499، وذلك لتعزيز شعور العميل أن السعر لم يتعد قيمة ال 400، ولهذا فرد الفعل المباشر هو (لماذا لا تقولون 500 بدلا من هذا الخداع!).
ولكن على الرغم من قدم هذا الأسلوب إلا وإنه مازال يمتلك تأثيرًا جليًأ على نفسية المستهلك، فمثلا يعرض موقع Gumroad المتخصص في بيع الملفات الإلكترونية على الإنترنت إحصائيته الخاصة بتأثير إنتهاء السعر ب 0.99 مقارنة بالعدد الصحيح على نسبة المبيعات فكانت كالتالي:
فعندما يستنكر المستهلك السعر المنتهي ب 4.99 ويسعى لتقريبه لأقرب عدد صحيح 5، ففي تلك اللحظة يستخدم نظام تفكيره التحليلي (النظام 2) لتقريب السعر وحساب منفعته. بينما يظل تأثير الرقم 4 فاعلًا على نظامه الحدسي والتلقائي (النظام 1) وهذا النظام هو المسؤول عن التأثر نفسيًا بواحد من اهم طرق التسعير
وهذا ما وصفه Richard Thaler الحائز على جائزة نوبل في علم الاقتصاد السلوكي، أن الإنسان يضع المنتج والسعر وحالة الشراء فيما يسمى بال Mental Accounting، والتي يحسب فيها المستهلك المنفعة من السعر بأسلوب غير منطقي بحيث يكون عرضة للمؤثرات السيكولوجية في توجيه قراره.
ولهذا حتى الآن تستخدم متاجر عالمية أسلوب ال 99 في تسعير منتجاتها مثال أمازون و إي باي وغيرهما.
ولكن على الجانب الآخر، أظهرت عدة دراسات حديثة أن قاعدة ال 99 لا تترك نفس قدر التأثير على المستهلك باختلاف نوعية المنتجات بل على العكس، قد تكون ال 99 سببًا في تدهور نسبة المبيعات.
ففي بحث صدر في عام 2012 بعنوان:
This Number Just Feels Right: The Impact of Roundness of Numbers on Reliance on Feelings versus Cognition
استنتج البحث أن انتهاء السعر بأرقام من 1 إلى 9 يصلح فقط للمنتجات النفعية “Utilitarian” وهي المنتجات التي يغلب على المستهلك فيها إعمال عقله أكثر من مشاعره مثال منتج المكواة والغسالة والمروحة.
بينما يغلب على المنتجات التلذذ “Hedonic” وهي المنتجات التي تغلب فيها العاطفة على العقل مثال منتج السيارة والطعام والعطور فإن إنتهاء السعر ب 0 يساهم في زيادة المبيعات.
فكما هو موضح بالرسم فمنتج المشروب الذي يغلب عليه صفة التلذذ عن المنفعة فقد كان سعر ال 40.00$ هو السعر الذي حقق أعلى مبيعات مقارنة ب 39.72$ و 40.29$.
بينما كانت المبيعات الأقل للالة الحاسبة (المنتج النفعي) هو في حالة السعر 40.00$.
وكان سعر 2.00$ أفضل من 1.83$ لمنتج الشيكولاتة التي يغلب عليها التلذذ عن المنفعة. بينما كان سعر 1.38$ أفضل من 2.00$ لمنتج بسكويت الشوفان والذي يغلب عليه المنفعة عن التلذذ.
وأخيرًا، وفي سعي لإثبات النظرية بأمثلة أخرى، فقد استخدم الباحثون منتج الكاميرا والذي تم عرض صفات النفعية فيه للمجموعة الأولى ، مثال القدرات الفنية للكاميرا. بينما تم عرض صفات التلذذ للمجموعة الثانية مثال متعة التصوير مع العائلة والأصدقاء.
وتم عرض السعرين 200.00$ و 203.96$ للمجموعتين، فكان الغالب على المجموعة الأولى تفضيل سعر 203.96$، بينما المجموعة الثانية فضلت سعر 200.00$.
يمكنك تحميل كتابي قوة الإسقاط – نسخة كاملة (Pdf) من خلال الموقع الالكتروني فقط اضغط علي اللينك
2.المقارنة
في تجربته الشهيرة والتي عرضها في كتابه الأشهر Predictably Irrational، قام Dan Ariely، بعرض اشتراك لمجلة الإكونوميست على مجموعة من الطلاب بالشكل التالي:
بينما عندما عرض على مجموعة أخرى العرض التالي، اختلفت النتائج بالكلية،
فهنا تحول عرض ال Print Only $125 لشراك – Decoy، أي خيار تم وضعه كي يدفع المستهلك تجاه العرض الذي يرغب به مقدم الخدمة.
ولهذا النوع من التسعير استخدامات متعددة تهدف لإقصاء ذهن المستهلك عن سعر ما وجذبه لسعر آخر. فكما نرى في الصورة التالية، فلقد وضع مقدم الخدمة سعر 350$ كسعر Decoy، حتى ينجذب المستهلك لسعر 750$. فكما هو موضح فإن فرق السعر الأول والثاني 46%، بينما الفارق بين الثالث والرابع هو 70%، وهذا ما يجعل السعر الأخير أكثر جذبًا للاهتمام.
3.صوت السعر
“الو، كنت أرغب بمعرفة سعر الخدمة”
“شكرا لاتصالكم، سعر الخدمة تسعة وتسعون جنيه وواحد وعشرون 99.21 “
“شكرا، لا أرغب بالاشتراك”
“الو، كنت أرغب بمعرفة سعر الخدمة”
“شكرا لاتصالكم، سعر الخدمة تسعة وتسعون جنيه وستة وستين قرشا 99.66 “
“حسنًا، أرغب بالاشتراك الآن”
هل تعلم أن صوت القروش الأخيرة للسعر لها تأثير نفسي على المستهلك في تخيل القيمة الكلية للسعر؟
هذا ما اثبته الباحث Keith Coulter، في دراسة شهيرة صدرت في عام 2010 بعنوان،
Small Sounds, Big Deals Phonetic Symbolism Effects in Pricing
ففي تلك الدراسة أثبت Coulter أن الأرقام ذات الحروف المتحركة التي تصدر من الجهة الخلفية للفم تعطي انطباع بكبر حجم الرقم والعكس للأرقام ذات الحروف المتحركة التي تصدر من الجهة الأمامية للفم كما هو موضح بالصورة أعلاه. ويسري الأمر كذلك على الحروف الساكنة.
فواحدة من التجارب التي أجراها Coulter في بحثه أن عرض سلعة بسعر 10.00$ وقدم خصم على السلعة إما بقيمة 7.66$ والذي يبدوا صوتيًا أنه خصم كبير، ومرة أخرى بقيمة 7.22$ والذي يبدوا صوتيًا بأنه الخصم الأقل.
ولكن، وعلى خلاف القيمة الحسابيةوالتي تجعل من الخصم الثاني أكبر قيمة من الخصم الأول، فالذين خضعوا للتجربة قامو بتقييم الخصم 7.66$ بنسبة 28.70%، بينما قيمت المجموعة الأخرى الخصم 7.22$ بنسبة 25.39%.
وبالنسبة للأرقام العربية فالصورة التالية توضح تصنيف صوتيات الأرقام العربية، ولهذا فكما ذكرنا في المثال الأول، فإن سماع صوت السعر 99.66 بدا أقل من السعر 99.21 على خلاف القيمة الحسابية.
ولكن هذه القاعدة تسري فقط على سماع صوت السعر من البائع، أو في حالة ترديد المستهلك للسعر، أما في حالة قراءة السعر فقط بدون سماع أو ترديد فإن هذه الميزة لا تتحقق.
————————————-
التسعير السيكولوجي ليس عبارة عن بعض الأساليب التي تستخدم كنسخ ولصق ثم انتظار النتائج الإيجابية في كل مرة، ولكنها نعلم واحدة من اهم طرق التسعير ومعرفة ان هذه العملية ديناميكية يجب أن تتغير دائمًا حسب السياق ونوعية المنتج، ويجب تحديثها دائمًا. وهي أيضًا عملية مركبة، ففي بعض التطبيقات المتقدمة يتم استخدام عدة أساليب تصل إلى العشرة والعشرين أسلوب في سياق واحد كما سنذكر في المقالة القادمة وذلك لضمان تاثير واضح وسهل قياسه على المستهلكين.
وأخيرًا، الاهتمام بالجوانب النفسية لعملية التسويق، والبيع، والتسعير، الإدارة …إلخ هو المستقبل المزدهر لعالم التجارة والأعمال. وعلى كل من يمتهن تلك المهن أن يبدأ في الاهتمام بتلك المجالات كون المنافسة الكبرى بين مقدمي المنتجات والخدمات صارت تتجه بصورة أكبر تجاه التأثير النفسي على المستهلك أكثر من التأثير بجودة المنتج وخدمة ما بعد البيع فلقد تساوى الجميع في القدرة على فعل هذا وذاك، ولم يتبق إلا المنافسة على التأثير النفسي على المستهلك.