الاستهداف في التسويق: كيف تبيع العقارات (وأي شيء) باستخدام علم النفس؟

هل تساءلت يوماً لماذا يشتري العميل؟ تخيل شركة عقارية كبرى، تقدم وحدات سكنية فاخرة، أسعار تنافسية، وتسهيلات في الدفع.. ورغم ذلك، المبيعات “شبه متوقفة”!

كانت الشركة تعاني من لغز محير: زيارات كثيرة للموقع، إعجاب مبدئي، ولكن عند لحظة “إغلاق الصفقة”، يختفي العميل. مدير المبيعات كان يدرك أن هناك حاجزاً نفسياً خفياً، لكنه لم يعرف كيف يكسره.. حتى دخل عليه “الرجل الغامض”.

قصة الـ 200 عميل وعمود “العسلية”

دخل استشاري تسويق على مدير المبيعات وعرض عليه حلاً غريباً: “سأجعل موظفيك يبيعون، ولكن بشرط.. سأحدد أنا ماذا يقولون لكل عميل بالتحديد”.

بعد أسبوع، وسجيل 200 زيارة، سلم الاستشاري المدير قائمة بـ 10 رسائل بيعية مختلفة تماماً. طلب منه إرسال الرسالة (أ) للمجموعة الأولى، والرسالة (ب) للمجموعة الثانية، وهكذا.

المفاجأة التي أذهلت المدير:

• الرسالة الأولى تتحدث فقط عن الرفاهية والمتعة.
• الرسالة الثانية تركز بصرامة على الخصوصية والأمان.
• الرسالة الثالثة عبارة عن أرقام وحسابات لـ العائد الاستثماري.
• الرسالة الرابعة تسرد أدق تفاصيل البناء والمواد المستخدمة.

صاح المدير: “ولكن هذا ما نقوله للجميع! ما الجديد؟”

هنا، أخرج الرجل عمود “عسلية” فاخر من جيبه، التهمه ببرود وثقة، وقال جملته التي غيرت مسار الشركة: “نحن لا نبيع نفس المنتج للجميع.. نحن نبيع لكل شخص (السبب) الذي يجعله يشتري. نفذ التعليمات وكلمني بعد شهر”.

خرج الرجل وكشف للمدير السر عند الباب: “تذكر الاستبيان الذي ملأه العملاء؟ الكاميرات التي رصدت لغة جسدهم؟ الميكروفونات التي حللت نبرة صوتهم؟ كل هذا ساعدني لتصنيف الـ 200 عميل نفسياً، وإعطاء كل واحد منهم الرسالة التي (يريد) سماعها”.

وبعد شهر.. كانت مبيعات الشركة قد انفجرت حرفياً.

ما وراء الكواليس: علم الاستهداف في التسويق

الدرس المستفاد هنا هو القاعدة الذهبية في المبيعات: العملاء ليسوا سواء. هم مختلفون ليس فقط في ميزانياتهم، بل في “شخصياتهم” ودوافعهم النفسية.

اقرأ أيضاً: الاستهداف السيكولوجي: عندما تفشل أساليب تشالديني للإقناع

منذ التسعينات، اعتمد علماء النفس والمسوقون الأذكياء على نموذج يُعرف بـ “العوامل الخمسة الكبرى للشخصية” (The Big Five Factors) لتحليل الجمهور. هذا النموذج هو البوصلة التي تحدد كيف تتحدث مع عميلك.

نموذج OCEAN: كيف تفك شفرة عميلك؟

يختصر العلماء هذا النموذج في كلمة OCEAN، وإليك كيف تستخدمه في الاستهداف في التسويق:

1. الانفتاح (Openness) – العميل المبدع

شخص يعشق التجديد، يكره الروتين، ومغامر.

• كيف تبيعه؟ ركز على الابتكار، التصميم الفريد، والتجربة الجديدة التي سيخوضها. لا تحدثه عن التقليد.

2. الوعي (Conscientiousness) – العميل المنظم

شخص عملي، منظم جداً، يحسب كل خطوة، ويهتم بالتفاصيل.

• كيف تبيعه؟ ركز على الكفاءة، الأرقام، الجدول الزمني، والمواصفات الفنية الدقيقة. ابتعد عن العاطفة المفرطة.

3. الانبساط (Extroversion) – العميل الاجتماعي

شخص يستمد طاقته من الناس، يحب الظهور، ويحب أن يكون وسط التجمعات.

• كيف تبيعه؟ ركز على المكانة الاجتماعية، المجتمع المحيط (Community)، وكيف سيجعل هذا المنتج حياته أكثر إشراقاً.

4. التوافق (Agreeableness) – العميل الودود

شخص يثق في الآخرين، يبحث عن الألفة، ويهتم بآراء الناس.

• كيف تبيعه؟ استخدم التوصيات (Reviews)، ركز على الجو العائلي، الأمان الاجتماعي، وخدمة ما بعد البيع.

5. العصابية/الاضطراب (Neuroticism) – العميل القلق

شخص يميل للقلق، يتوقع الأسوأ، ويبحث عن الأمان بأي ثمن.

• كيف تبيعه؟ ركز على الضمانات، الأمان، تجنب المخاطر، وكيف سيحمي منتجك مستقبله.

من النظرية إلى التطبيق: عصر الـ Big Data

في الماضي، كان الاستهداف في التسويق يعتمد على الحدس، ولكن اليوم، بفضل البيانات الضخمة (Big Data) ومنصات التواصل الاجتماعي، أصبح بإمكاننا توجيه رسائل مفصلة (Tailored Messages) لكل نمط شخصية بدقة متناهية.

الدراسات تثبت أن استخدام الاستهداف السيكولوجي يرفع نسبة استجابة العملاء ورضاهم بنسب تتجاوز 50% مقارنة بالرسائل التسويقية الموحدة (One-size-fits-all).

لم يعد الأمر رفاهية، بل ضرورة. إذا كنت تريد تعلم كيفية تطبيق هذه النظريات عملياً لتحويل “اللايك” إلى “شراء”، فإن خطوتك القادمة هي احتراف الاستهداف السيكولوجي.

—————-

—————-

انضم لمجموعة التيليجرام لمعرفة كل جديد عن الـ Consumer Psychology in Marketing