لماذا تفشل معظم الاستشارات التسويقية؟ (الحقيقة التي لا يريد “خبراء الإعلانات” أن تعرفها)
في أول مرة قدمت فيها استشارات تسويقية لشركة، كنت مثل الكثيرين: اعتقدت أن دوري هو إطلاق حملات إعلانية، قياس النتائج، وانتهى الأمر. لكن، اكتشفت سريعاً أن هذا هو أسرع طريق للفشل ولإقناع الإدارة العليا بأن التسويق “يصرف فلوس” بلا طائل.
الحقيقة الصادمة أن الإدارة العليا ستتوقف عن دعمك، تقلل ميزانيتك، وتوجهها بالكامل للمبيعات (بعد أن تستغني عنك بالطبع)، إذا لم تفهم النموذج الحقيقي للتسويق. بعد سنوات من التجارب، لخصت النجاح في 5 مبادئ. تجاهل أي واحد منها يعني أن “استشاراتك التسويقية” لا قيمة لها.
1. “الهري” الاستراتيجي: لماذا 10% فقط من التسويق هو بناء الاستراتيجية
دعنا نكن صرحاء: مجال التسويق هو الأكثر “هرياً”. ملئ بمصطلحات رنانة لا تطبق. كم مرة رأيت “البنت الصاروخ” أو “الولد النص صاروخ” يتحدثون الإنجليزية بطلاقة عن “Porters 5 forces” و “Positioning” و “Consumer mentality”؟ كم خطة “مبهرة” شرحوها ولم ينفذوا منها شيئاً حتى تم رفدهم؟
المشكلة أن هذا “الهري” يبدو مقنعاً، لكن نتيجته الحقيقية “صفر كبير”.
لكن انتبه! هذا لا يعني أن الاستراتيجية غير مهمة. بل هي حجر الأساس. هي تمثل 10% فقط، لكنها الأساس الذي إن انهار، انهار البناء كله.
أتذكر شركة طلبت مني استشارة تسويقية لحدث كانوا قد أعلنوا عنه بالفعل. بعد مراجعة بسيطة، كان ردي للإدارة العليا: “لو إبليس نفسه جمع جنوده لإقناع الناس بهذا الحدث، سيفشل فشلاً ذريعاً”.
لماذا؟ لأن استراتيجية الـ 10% كانت “مشوهة بمياه نار”. لا يوجد تسعير منطقي، لا يوجد حساب تكاليف وعوائد. سألتهم عن ورقة الحسابات، فكانت المفاجأة: لا يوجد أوراق! القرار تم اتخاذه في دقائق بين رشفات القهوة البرازيلي و”السجائر الكوبي الملفوف على وراك العذارى”.
الأمر الثاني: الاستراتيجية يجب أن تكون “مترابطة”. عندما بدأت استشارة في شركة أخرى، استغرب صاحب الشركة عندما وجدني أجلس مع “مدير التخطيط”. سألني: “إيه علاقتك يا بتاع التسويق ببتاع التخطيط؟!”
في الاجتماع التالي، عرضت عليهم هذه الصورة:
“أنا لا أهرج. هذه الصورة هي ملخص دورنا. المبيعات هي رأس الحربة، والتسويق هو خط الوسط الذي يسانده. الجمهور هو الزبون. لو خط الوسط (التسويق) لا يعرف إمكانيات الإنتاج واللوجستيات والتخطيط، سيسقط الفريق كله”.
ترابط الإدارات هو العامل الأهم لنجاح استراتيجية الـ 10% هذه.
اقرأ ايضا مقالة استراتيجية التسويق ما هي ؟
2. “بتاع الإعلانات”: لماذا 20% فقط من التسويق هو الدعاية والإعلان
عندما تسأل أي شخص “ما هو التسويق؟”، الإجابة الفورية: “بتاع إعلانات”. تماماً كما أن “الرقاصة” في نظرهم “شمال”. هذه نظرة سطحية كارثية.
فيلم “الفنكوش” لعادل إمام لخص القصة: مدة الفيلم ساعتين ونصف، كلها كانت (تسويق): تخليق المنتج، ابتكار الاسم، خطة اختراق السوق. بينما (الإعلان) على التلفزيون لم يتجاوز دقيقة ونصف!
الإعلان هو 20% فقط من المهمة. التركيز عليه وحده هو وصفة للفشل، لأنك تتجاهل ما قبل الإعلان (الاستراتيجية) وما بعده (التحليل).
لقد قلتها لعميل: 90% ممن يسمون أنفسهم “شركات تسويق” هم مجرد “شركات دعاية وإعلان”. دليلك؟ أن كل حديثهم عن “تصميم الإعلان” و “القنوات الإعلانية”، وليس لديهم أي قدرة على تحليل نواتج الإعلان.
تابعت أحدهم يدير حملة فيسبوك لمنتج جديد. عندما حدثت بعض المبيعات الأولية، ركض لمديره ليقول: “الإعلان ناجح! ضاعفوا الميزانية!”.
أوقفته وسألته: “كيف تأكدت أن المبيعات سببها الإعلان؟” بالطبع، لم يكن لديه إجابة. تركته يكمل، وكما توقعت، المبيعات توقفت تماماً.
ما حدث كان مجرد “حمل حراري طبيعي” (Natural Convection). مثل كوب القهوة الساخن، سيفقد حرارته للغرفة حتى يصل للتشبع. أي منتج جديد سيجد مريديه الأوائل (تشبع). دور التسويق الحقيقي يبدأ *بعد* هذا التشبع، وهذا ما لا يفهمه “فتى الإعلانات”.
لذلك، أرجوك لا تخلط مرة أخرى بين الرقاصة (والشمال).
هل تريد فهم فن الإقناع الحقيقي الذي يتجاوز مجرد الإعلان؟ يمكنك الاطلاع وتحميل كل من كتاب سبيل الإبداع في فنون الإقناع + وكتاب قوة الإسقاط (Pdf).
3. المحرك الخفي: 50% من وقت الاستشارات التسويقية هو تحليل البيانات
لا يوجد نجاح حقيقي في التسويق بدون تحليل بيانات (Feedback Loop). المهندس، الطبيب، الكيميائي… كلهم ينجحون لأنهم يحللون المخرجات، يقارنونها بالنتائج المرغوبة، ثم يعدلون المدخلات.
عملية الـ Feedback هذه تفشل فشلاً ذريعاً في التسويق بسبب ضعف القدرة على تحليل الأرقام. يجب على المسوق المحترف أن يمتلك “حساسية مفرطة” للأرقام والإشارات الشاذة.
بصراحة، 50% من الوقت الفعلي لأي استشارة تسويقية ناجحة أقضيها في تحليل البيانات. أي شخص لا يفعل ذلك هو ليس “مسوقاً”، بل “مقامر” بأموال العميل.
4. السلاح السري: 90% من التسويق الناجح هو “توجيه سيكولوجية المستهلك”
هذا هو البند الأهم، والذي كرست له سنوات لكتابة كتب ودورات تدريبية. لماذا؟ لأن أساليب التأثير النفسي هي العامل الحاسم في عالم اليوم.
انظر إلى السوبر ماركت: منتجات متجاورة تساوت في كل شيء (السعر، التغليف، الجودة). ما الذي يجعلك تختار واحداً دون الآخر؟ إنه التأثير النفسي.
أنا أسمي استراتيجية الـ 10% (استاتيكا التسويق) – فهي ثابتة ولا تتغير كثيراً. أما سيكولوجية المستهلك فهي (ديناميكا التسويق) – تتطور يومياً بمئات الأبحاث.
المشكلة؟ 90% من المسوقين لا يعرفون شيئاً عن هذا العلم. هم يعملون “بالفطرة” أو “بالفهلوة”. بينما تخصص مجلات علمية كاملة لهذا المجال (مثل Journal of Consumer Psychology).
هل تريد أن ترى قوة هذا السلاح بنفسك؟ اقرأ: 5 أسباب ونصف جعلت دبلومة التسويق السيكولوجي هي الأقوى..(حتى الآن)
5. قاعدة الـ 100%: الأفكار اللامعة مستحيل أن تخرج من “بيئة العمل اليومي”
هل تبحث عن فكرة تسويقية عبقرية؟ لن تجدها وأنت غارق في “شغل اليوم”.
كتاب “حل الصناديق الثلاثة” (The Three-Box Solution) لخص الأمر:
- الصندوق 1 (الحاضر): مهام العمل اليومية (مهم للحفاظ على العمل).
- الصندوق 2 (المستقبل): الأفكار الجديدة وخطط التطوير (مهم للنمو).
- الصندوق 3 (الماضي): التخلص من العوائق القديمة.
أفضل أفكاري تأتي وأنا في الحمام، أو على وشك النوم، أو (لسبب ما) في الصلاة! العمود الفقري للمسوق الناجح هو قدرته على الخروج من “الصندوق 1” ليولد أفكاراً في “الصندوق 2″، ثم يعود لتطبيقها.
الخلاصة: كيف تنجح استشاراتك التسويقية؟
سر نجاحي في تقديم استشارات تسويقية فعالة هو أنني لا أبيع “إعلانات”. أنا أحرص على أن تفهم الإدارة العليا هذه المبادئ الخمسة. أقوم بتفتيت المفاهيم الخاطئة لديهم وأكسب دعمهم لقناعاتي. بعد فترة، يتحول فريق العمل بالكامل لداعمين لهذا الفكر… ورزقك ورزقك على الله.
هل أنت جاهز لتحويل التسويق من “مصروف” إلى “أصل”؟
اشترك الآن في دبلومة التسويق السيكولوجي، أول دبلومة عربية تمزج بين علم النفس والتسويق لبناء نتائج حقيقية.
انضم لمجموعة التيليجرام لمعرفة كل جديد عن الـ Consumer Psychology in Marketing، وللحصول على عروض خاصة على الكتب والدورات التدريبية.



